قد احببتها حبا جنونيا....!!
عدت يوم امس الى باريس واعترتني الدهشة الممزوجه بالحزن الى درجه انني فكرت بالقاء نفسي من النافذة الى الشارع عندما شاهدت غرفتي للمرة الثانية وفيها السرير والاثاث وكل شي يتركه المرء بعد موته لم اعد استطيع ان ابقى بين هذه الجدراان التي كانت قد احتوتهاا يوما ما والتي احتفظت بالف ذرة منها ومن بشرتهاا ومن نفسهاا هممت بالمضي بعدما تناولت قبعتي ولكن ما ان وصلت الى الباب حتى مررت بمرآآة ضخمة في الصالون تلك المرآآة التي وضعتهاا هناك لتلقي على نفسهاا نظرة كليه من فرقها الى قدمهاا قبل خروجهاا كل يوم تتفحص كل شي فيها بدءا من حذائها الصغير الى قبعتهاا ووقفت لوقت قصبر أمام المرآآة التي كانت قد عكست صورتهاا في كثير من الاحياان حتى أيقنت من احتفاظ المرآآة لصورتهاا وكنت واقفا أمامها وانا ارتجغ وعيناي ثابتتان على المرآآة على تلك المراة المستوية العميقة الفارغة التي حوتهاا كل شي واستحوذت عليها تماما مثلما استحوذت علي وشعرت كانني احببت تلك المرآآة فأخذت المسهاا بيدي لقد كانت باردة انها مرآة مؤلمة محرقة مروعة لانها تجعل الرجال يعانون من آلام كهذه الآلام ما أسعد ذلك الرجل الذي ينسى قلبه كل شي فيه .
انطلقت بعد ذلك نحو المقبرة ووجدت قبرهاا بسيطا له شاهدا من الرخاام عليهاا هذي الكلماات (لقد أحبــــــت واحبــــــــت ثــــم ماتــــت) انها الآن تحت الترااب أخذت بنحيب ممض وجبيني على الأرض ووقفت هنا لوقت طويل وبدأت يد الظلام تقترب مني رويدا رويدا واستحوذت علي رغبة حمقااء رغبة عااشق يائس اذ رغبت ان اقضي ليلتي وانا ابكي فوق القبر ولكنني ساشاهد وأطرد ترى كيف أستطيع أن أتدبر أمري؟؟
وأخذت امشي وأمشي في المقبرة وقلت:ما أصغر هذه المدينة موازنه بالمدينة التي نعيش فيهاا وما أكثر عدد الأمواات موازنة بعدد الأحيااء انهم يحتاجون لبيوت شاهقة وشوارع عريضة واماكن واسعة ولكن ان لهم ذلك والاجيال تلو الأجيال!! ان الأرض ستعيدهم اليهاا وداعا ايهاا الأموات....
وها أنا في آخر المقبرة عند أقدم جزء فيها حيث الشواهد ذاتها قد تآكلت انها مليئة بالورود المهملة وبأشجار السرو القوية والقاتمة يا لها من حديقة جميلة وحزينه!!
كنت وحدي في المقبرة وجثمت تحت شجرة خضرااء وخبأت نفسي وسط أغصاانها المتشبعة الداكنه.
وتركت ملجئي عندما صار الظلام حالكا وبدأت أتجول بهدوء واستغرق تجوالي وقتا طويلا لكنيي لم أعد أعثر على قبرهاا مرة أخرى..
وتابعت تجوالي ويداي ممدودتان وكنت أصطدم بالقبور بيدي وقدمي وركبتي وصدري وحتى برأسي من دون أن أتلمس طريقي كالعميان وأخذت أتحسس الحجارة والشواهد والدرابزين وأكاليل الزهور الذاوية وقرأت الأسماء بأصابعي ولكنني لم أعثر عليها مرة أخرى.
لم تكن تلك الليلة مقمرة ما هذه الليلة! لقد ارتعد قلبي خوفا في تلط الممرات الضيقة والواقعة بين صفين من القبور وجلست على أحدهماا لأنيي لم اعد أقوى على السير أكثر من ذلك! فقد كانت ركبتاي ضعيفتين وأستطعت أن أسمع ضربات قلبي! وسمعت شيئا آخرا أيضا ماذا؟ انه صوت ضجيج غامض مضطرب ترى هل كان ذلك الضجيج في رأسي أم في الظلام الحالك أم تحت الأرض الغامضة؟ ورحت أنظر من حولي لقد شللت من الذعر والبرد والخوف لم يبق لي أمل سوى الصرااخ أو الموت وفجأة بدا لي أن البلاطة الرخامية التي كنت أجلس عليهاا كانت تتحرك وكأنها كانت ترتفع فطرت الى القبر المجاور بقفزة وااحدة وشاهدت بوضوح الحجر الذي ابتعدت عنه لتوي وهو يرتفع الى أعلى..
بعد ذلك ظهر الميت يرفع الحجر الذي يغطيه بظهره المنحني لقد شاهدته بوضوح كامل على أن تلك الليلة كانت حالكة الظلام وأستطعت أن أقرأ على الشاهدة:يرقد في هذا القبر جاكس اوليفانت الذي مات وهو في الحادية والخمسين من العمر لقد أحب أسرته وكان لطيفا وشريفا ومات في حب الرب وقرأت أيضا ما كان مكتوب على الشاهد ثم التقط حجرا صغيرا حادا من الممر وبدأ يحك الحروف بعناية وببطء طمسها كلهاا ونظر بعينيه المجوفتين الى المكان الذي كان قد نقش عليه وصفه وبدأ بعد ذلك يكتب بالعظمة الرأسية لاصبعه بحروف واضحة:هنا يرقد جاكس أليفانت الذي مات وهو يناهز العام الحادي والخمسين ولقد استعجل وفااة والده وتمنى أن يرث ثروته وبدأ يعذب زوجته ويغش جيراانه ويسلب كل انساان يستطيع سلبه ثم مات بائسا.
ثم وقف الميت دون حرااك بعد أن انتهى من الكتابة التفت من حولي فوجدت القبور جميعها مفتوحة وانبثق منها الموتى جميعا وراحول يطمسون ما سطر على شواهدهم لما وصفهم به أقرباؤهم واستبدلو تلك السطور بالحقيقة.
رأيت أن جميعا كانو مؤذين لجيرانهم غشاشين مماطلين منافقين كذابين وأشرار كانو يسرقون ويخدعون ويقومون بكل عمل شنيع هؤلاء هم الآبااء الطيبون هؤلاء هن الزوجات المخلصاات هؤلاء هم البناء البررة هؤلاء هن الفتيات العفيفات هؤلاء هم التجار الشرفاء كلهم كانو يكتبون بآن وااحد في مستهل مقرهم الابدي الى قيام الساعة الحقيقة المخيفة والمقدسة التي كان يجهلهاا الجميع أو يتظاهرون بأنهم كانو يجهلونهاا عندما كان هؤلاء على قيد الحيااة واعتقدت أنهاا أيضا لابد من أن تكون قد كتبت شيئا على شاهدتها وركضت بعد ذلك من دون خوف نحوهاا متأكدا من أنيي سأجدهاا في الحال لقد عرفتهاا فورا من دون أن أرى وجهها ب وقرأت على شاهدة قبرهاا الرخامية العبارة التي تقول: لقد أحبت وأحبت ثم ماتت ورأيت بعد ذلك العباارة التي تقول: بعد أن خرجت في يوم ماطر لتخون عشيقهاا أصيبت بالزكام ثم ماتت.
ويبدو أنهم عثروا علي في اليوم التالي عند الفجر مستلقيا على القبر ومغمى علي.....!